لم يكن ذلك اليوم من أفضل الأيام في حياة يسوع. كان قد تلقّى في الصباح خبر مقتل يوحنا المعمدان، إذ كان هيرودس قد قطع رأس يوحنا المعمدان وسلّمه على طبق الى ابنة هيروديا. حزن الرب يسوع، ويقول الكتاب المقدس أنه بعدما سمع الخبر انصرف في سفينة إلى موضع خلاء منفردا. لم يرد أن يرى إنسانا، أو أن يكلم أحدا. نعم لا بدّ أن موت يوحنا المعمدان أحزنه كثيرا... لكن لم يتسنى ليسوع أن يجلس كثيرا وحده. إذ ما لبث أن سمع الجموع عن مكانه، حتى أتوا إليه مشاة من كل المدن المجاورة. خرج يسوع من السفينة ونظر الجموع التي كانت تنتظره. كانوا كثيرين، خمسة الآلف رجل ما عدا النساء والأولاد.
لم يتأفف يسوع، لم يتذمر. لم يناجي الآب قائلا: أما يتاح لي أن أرتاح قليلا... وأنت تعلم حزني وتعبي... لم يوصي تلاميذه أن يصرفوا الجموع قائلين: المعلم متعب اليوم... تعالوا غدا... كلا... لم يفعل ذلك، مع أنه كان له مطلق الحرية والمقدرة أن يفعل ذلك. بل يقول لنا الكتاب المقدس أما يسوع فتحنن عليهم وشفى مرضاهم.
ومكتوب أيضا أنه تحنن عليهم إذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدأ يعلمهم كثيرا. إن الكلمة الجوهرية هنا هي تحنن... عندما رأى الرب يسوع الجموع عرف أحوالهم وفحص قلوبهم ونظر في أعماق عيونهم، تحرّك قلبه، قلب الراعي الأعظم.
وضع يسوع تعبه وحزنه جانبا، واهتم بالخراف التي لا راع لها. اهتم بهم روحيا وجسديا. علّمهم، ولكنه أيضا شفى مرضاهم. وعندما صار المساء، أشفق يسوع على الجمع لأنهم كانوا لم يأكلوا بعد. فأخذ 5 خبزات وسمكتين، وباركهم وأطعم الجمع كله، وبقي... إن يسوع الحنّان هو هو أمس واليوم والى الأبد.
إن يسوع ، وإن كان حزينا وتعبا، أشفق على الآلاف، فسدّ احتياجاتهم الجسدية والروحية. إن الرب يسوع الآن جالس في يمين العظمة في الأعالي، لكنه يشتاق أن يسمع صلاتك، يشتاق إلى جلسة معك. يشتاق أن يراك قد تركت اهتماماتك الأخرى، وخرجت منفردا إليه لكي تكلمه ويكلمك.
إن الرب يسوع ينتظرك لكي تخبره عن مخاوفك، عن أحزانك، وعن تلك الأمور الأخرى التي أنت متأكد أن لا أحد سيفهمك فيها. لكن كما ترك هؤلاء الآلاف بيوتهم ومدنهم ليخرجوا إلى يسوع، هكذا أنت أيضا عليك أن تخرج روحيا للقائه.
أترك أمور الدنيا واهتمامات العالم. أعط ليسوع وقتا من يومك. لا تخجل أن تعرض عليه أسئلتك أو طلباتك، إن كانت صغيرة أم كبيرة، فإن شؤونك الصغيرة ليست تافهة بالنسبة ليسوع، والكبيرة أيضاً ليست بمستحيلة عليه.