هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالرئيسية  البوابة*البوابة*  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 نفرتيتي تنطق من جديد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Debo
بروفيسور
بروفيسور
Debo


ذكر
عدد الرسائل : 87
العمر : 38
مكان التواجد : الشام
تاريخ التسجيل : 25/05/2008

نفرتيتي تنطق من جديد Empty
مُساهمةموضوع: نفرتيتي تنطق من جديد   نفرتيتي تنطق من جديد Empty28/5/2008, 9:47 am

نفرتيتي تنطق من جديد
بقلم: ضياء قصبجي
زوبعة صغيرة أثارت في نفسي غباراً... وما إن توقفت الزوبعة حتى استقر الغبار طبقة رقيقة مثل شريحة حزن عميق... وفي القاع تكلس وأصبح حجراً أصم, ونبتت حوله أزاهير من الرعب والعذاب... والرغبة المدفونة.
بعد استيعابه لفلسفتي قال:
- لكن يا سيدتي الحزن هو جوهر الأشياء.
- هراء... الحزن يذهب ببريق الأشياء.
- في حزني تغدو الأمور شفافة, فأشاهد ما لم أكن أستطيع مشاهدته.
- في حزني أثور... أعاني من القلق, وأشاهد أموراً أخاف من مشاهدتها.
- تشاهدينها حقيقة؟
- بل مجازاً.
- فلم الخوف؟
- من كونها غير موجودة وأنا أحسها.
- تلك هي الشفافية التي أتحدث عنها, وهي نعمة فما أجملها!
الساعة الثانية بعد منتصف الليل... هدوء منسدل كستار لا تمزقه سوى تكتكات الساعة الصغيرة.
تمددت في سريري, وانبعث ضوء أصفر, من حجر مرمري أصفر, منحوت على شكل أثر فرعوني قديم... هو رأس نفرتيتي.
الهدوء ما أشد ندرته... أسندت رأسي ورحت أنظر إلى انعكاس الضوء الأصفر الشاحب على زجاجات العطر, والكأس التي تتعانق في مائها زهيرات صفراوات تنشر الأريج بوهن... ينطلق الضوء قربي ثم يضعف كلما ابتعدت أشعته عن مصدره... ينعكس أيضاً على أهداب ريش النعام, الذي يلمع بألوان قزحية رائعة.
عشقت هذا الهدوء, فلم أستسلم للنوم.
إلا أن ما أثارني هو, أن نفرتيتي ابتدأت تحدثني بصوت رفيع, حصل هذا عندما سمعت قهقهة ناعمة تصدر من رأسها المختبئ بقلنسوة كبيرة.
- من أين هذا الضحك؟
- أنا نفرتيتي... ذلك الصنم الصغير الرابض قرب سريرك... والذي أمدك بالنور خلال سنين... وسمع همسك وشاهدك.
- حدثيني إذن يا نفرتيتي, عن عالمك القديم.
- لا أحب ذلك العالم, وإذا رغبت فاذهبي إلى القاهرة وشاهدي "الصوت والضوء" (أبا الهول, وخوفو, وخفرع), أما أنا فأعرف أن عالمي القديم مات, ولا أريد احياءه, فدعيني أحيا في عالمك أنت.
- عالمك تاريخ, قصص, أعجاز وأساطير... أما أنا فأنسانة معذبة لا تضحك إلا من شر بلية حاقت بها.
- ما أكثر تشاؤمك؟ إنني أتمنى لو عشت حياتك هذه بكل ما فيها من حزن وفرح أو طموح وفشل.
- أما أنا فمستاءة.
- حياتك جميلة, حتى أنه يروق لي أن أبقى قربك صامتة صمتاً مطلقاً, مراقبة لك سعيدة برؤيتك كل ليلة.
- أصادقة أنت؟ ألا تغريك الدعوة, إلى عودة الروح إليكم؟... إنهم يحنون إلى عصركم عصر القوة.
- هل هذا معقول؟... بعد خمسة آلاف سنة؟... أهناك حقاً من يذكرنا ويحبنا؟
حجبت النور عن عيني بكفي, فلم أشاهد أي شيء... لكني أذني ظلت تلتقط صوت دقات الساعة, ممزقة ستار الصمت.
ظل الضوء يبعث هالات صفراء تتساقط على الأشياء وتمسها بلطف, مما دعاني لأن أتناول جرعة ماء وأدخن (سيجارة).
أما "نفرتيتي" فقد ضربت حصاراً من الصمت حول نفسها... حاولت جهدي أن أعيدها للحديث, فلم تفعل... فلم أجد بدّاً (وأنا في حالة غضب) من تحطيمها وبعثرة قطع أحجارها الصفراء على الأرض... فهي لم تعلم أنني لا أريد أحداً أن يراقبنني... ولا أريد أن يعجب نمط حياتي أي إنسان... أحب السرّية المقدسة في حياتي الخاصة وأجد أن تعرّي النفس مخجل, مثل تعرّي الجسد... فهل إذا شرح لي أي إنسان ما فعله في السرّ من أفعال خاطئة وسيئة, أبقى على حبي له, وإعجابي به؟.
ثم إنني حطمتها لسبب أهم, هو قناعتي أن هذا المطر يأتي من ذاك الغيم. راعني أن أصوتاً ناعمة تصدر من قطع الأحجار المتناثرة على الأرض, الأصوات كلها تقول:
- لقد حطمت مصدر ضوئك... وستبقين في الظلام.
- كثيرة هي الأضواء.
- ستبقين في الظلام, لأنك حطمت شيئاً يحبك وما نطق إلا عن حب.
وخفت أن يسيطر عليّ وهم الظلام... فغادرت سريري, وبحثت عن ضوء كنت أودعه في أحدى زوايا غرف البيت فلم أجده... بحثت عن آخر أودعه على ظهر خزانة, فلم أجده... بحثت عن شموع مستقرة في حامل الشموع "البرونزي" فلم أجدها... ضغطت زر الكهرباء فلم ينر.
أصابني القلق والخوف... وتبادر لأذني صوت قهقهة ناعمة فيها من الشتامة الشيء الكثير... مما دعاني لأن أتناول جرعة ماء... وأدخن سيجارة.
- غريب أمرك... أذنبي أنني أردت أن أسلِّي وحدتك فكلمتك قليلاً؟
- كلا... بل ذنبك إنك شيء... والشيء لا ينطق... ولا تبعث فيه الروح.
- لم لا تتصورين أن تنطق كل الأشياء التي تستعملينها؟
- لو حصل هذا لأصابني الهلع... وفقد اتزاني.
- لماذا؟
- إذا عاتبتني الزهرة الذابلة التي لم أسقها منذ أيام... إذا لامتني المقلاة التي أحرقها بشيّ اللحم... إذا بكت الكأس التي أشمها على الأرض, وأرميها مع الأقذار... إذا عاتبني حذائي المهترئ... وثوبي البالي؟
(فتابعت كي أقنعها).
إذا نطقت الأحجار التي أدوسها... والكراسي التي أجلس عليها... فبالله عليك ماذا تفعلين أنت, لو كنت مكاني؟.
- لن تنطق كل الأشياء... فقط تلك التي تصنع على شكل إنسان.
- حتى هذه أخشى حديثها, وإذا نطقت التماثيل الصغيرة التي أحتفظ بها هنا وهناك فهذا يعني أن قوماً غريبي الأفكار والأطوار سيقاسمونني حياتي... عدا الضوضاء التي ستحدث... والخلافات التي ستنشب...
وجدت أنه لا بد لي من أن أهرب من حديثها ومن الظلام والحزن الذي أعانيه وتشف فيه نفسي فأشاهد أشياء لا أشاهدها بعين الواقع... وكذلك من أفكاري الجنونية.
اندسست تحت اللحاف, ودعوت طيف النوم ليداعب أجفاني... ونمت.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نفرتيتي تنطق من جديد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المكتبة :: مكتبة المنتدى-
انتقل الى: