البشارة لمريم التي يدخل من خلالها ابن الله وفادي الانسان عائلة يوسف ومريم، مولوداً بالجسد بقوة الروح القدس، تكشف كرامة الأسرة البشرية وطهارة الحب الزوجي وقدسية العائلة، لحضور الله الثالوث فيها: "محبة الآب القديرة تظللك، والروح القدس يحل عليك، والمولود منك قدوس وابن الله يدعى" (لو1/35). الأسرة النابعة من سرّ الزواج، هي حقاً "كنيسة بيتية".
أ- العائلة والحياة البشرية: انها حرمها ومقدسها. فكل حياة بشرية هبة من الله، وتحمل طابعاً مقدساً. وهي من اللحظة الأولى لتكوينها في أحشاء الأم كائن بشري كامل الحقوق وصاحب فرادة في شخصيته ودعوته ورسالته، اذا لم يوضع حدّ لتطوره الطبيعي البيولوجي، واذا حظي بتربية بيتية وكنسية واجتماعية سليمة. لوحة البشارة خير دليل ونموذج لهذا الواقع. الأسرة هي مدرسة ثقافة الحياة التي تشجب وتدين كل تعدٍ على الحياة البشرية سواء بوسائل منع الحمل أو الحبوب المجهضة أم بالاجهاض، وكلّ تعدٍ عليها وعلى كرامتها وحقوقها وسلامتها الروحية والجسدية والمعنوية، بعد ولادتها.
ب- العائلة وتربية الضمير المسؤول: انها المربي الأول للانسان في ضميره الخلقي المسؤول، بحيث يربى على حسن التمييز بين الخير والشر، الحق والباطل. الضمير كالغرسة. اذا استقامت تربيته كانت أخلاقه سليمة في كبره، لأن من شبّ على أمر شاب عليه. هكذا الغرسة اذا زرعت مستقيمة نمت كذلك وإلاّ استمرت على انحرافها.
ج- العائلة والنمو الروحي والاجتماعي والرعوي والوطني، لأن فيها يحاك أول نسيج لعلاقات الانسان بالله والمجتمع والكنيسة والوطن، وفيها يعاش أول اختبار لتقاسم الخبرات معهم. هذا النمو مرتبط بالطاعة للوالدين اللذين يربيان على "النمو بالقامة والنعمة والحكمة قدام الله والناس" كما جرى ليسوع في عائلة الناصرة (لو 2/51-52).
د- العائلة والتنشئة الروحية والايمانية، لأنها المدرسة الأولى للايمان، حيث نقبل بشرى الانجيل وتعلن، ولأنها المعبد الأول للصلاة، ولأنها الكنيسة الأولى حيث يدخل الانسان في شركة مع الله ومع الناس. ان الكنيسة الرعائية تبدأ في البيت، حيث تلتئم الأسرة للصلاة، وتبلغ اليه لتجسّد تعليمها ونعمتها في أفراد الأسرة، ومن خلالهم في المجتمع.